العرب وأمريكا.. أوراق القوة / السيد زهره

عندما كتبت مؤخرا مقالات “الطريق الى صفقة قرن بين أمريكا وايران” قال لي أحد القراء: انت تطالب في نهاية المقالات الدول العربية بأن تستخدم الأوراق التي بحوزتها من أجل الحيلولة دون هذه الصفقة، فهل تظن حقا ان العرب لديهم هذه القدرة في الضغط على أمريكا او على منع حدوث مثل هذا التطور؟

قلت له بلا تردد: نعم.. العرب لديهم هذه القدرة.. لديهم أوراق كثيرة يستطيعون استخدامها لو أرادوا.

وهذا هو رأيى فعلا.

لن أتوقف هنا عند الأوراق المعروفة، والتي ليست بحاجة الى تفاصيل في الحديث عنها. أعني أوراقا من قبيل صفقات السلاح التي تبرمها الدول العربية مع أمريكا، والعلاقات التجارية والاقتصادية، والأموال العربية الموجودة في أمريكا.. الخ. وهي على أي حال أوراق ضغط قوية جدا لو احسنت الدول العربية استخدامها.

سأتوقف عند ورقة استراتيجية كبرى ربما تكون غائبة عن كثير من الدول العربية، وهي ورقة ستصبح أكثر أهمية في المستقبل.

الرئيس الأمريكي ترامب يكرر بين الحين والآخر القول ان هذه المنطقة لم تعد مهمة بالنسبة لأمريكا، وانها لا تستحق ان تضحي أمريكا فيها بأي شيء، لا بجنود ولا بموارد مالية. وبناء على ذلك يهدد بانسحاب أمريكا من المنطقة برمتها.

وفي أمريكا هناك تيار يبدو قويا يحرض الإدارة الأمريكية على هذا التوجه، أي على الانسحاب نهائيا من المنطقة. كثير من المحللين يرددون هذا الكلام في السنوات الماضية، ويحاولون اثبات أن المنطقة لم تعد لها أهمية استراتيجية بالنسبة لأمريكا.

حقيقة الأمر ان كل هذا الكلام غير صحيح ولا معنى له. وهم في أمريكا أول من يعلم هذا.

الرئيس ترامب يقول هذا الكلام عن عدم أهمية المنطقة ويهدد بالانسحاب على سبيل الابتزاز للدول العربية الحليفة لأمريكا. في كل مرة يريد فيها مزيدا من الأموال من هذه الدول يردد هذا الكلام، ويريد ان يلقي في روعها ان أمريكا لم تعد لها مصلححة استراتيجية في هذا التحالف،وليس لديها مانع من فضه في أي وقت.

والمحللين الأمريكيين الذين يرددون هذا الكلام هم في أغلبهم بالمناسبة من الذين ينتمون الى اللوبي الإيراني في أمريكا. هؤلاء لا تعنيهم مصالح امريكا الاستراتيجية. كل ما يعنيهم هو دفع الإدارة الأمريكية، أي ادارة أمريكية، للاقتناع بفك تحالفها مع الدول العربية، وتغيير سياستها تجاه ايران وفتح صفحة جديدة من العلاقات معها.

حقيقة الأمر ان أمريكا لا تسطيع الانسحاب من المنطقة ولا يمكن ان تفكر جديا في ذلك، ولا يمكنها ان تفك روابطها وعلاقاتها مع حلفائها العرب. لا الإدارة الحالية تستطيع ذلك، ولا أي إدارة أمريكية قادمة.

ليس هذا فحسب، بل ان الأهمية الاستراتيجية للمنطقة بالنسبة لأمريكا وللعلاقات مع الدول العربية سوف تزداد أكثر وأكثر في الفترة القادمة.

اليوم يدور جدل واسع جدا حول طبيعة الصراع العالمي وموازين القوى الدولية بعد أزمة كورونا. وفي التقدير الاستراتيجي الأمريكي ان الصين ستكون أكبر منافس لأمريكا على النفوذ في العالم، وان الصراع معها سيكون هو الصراع الأساسي على الصعيد العالمي مستقبلا.

والمنطقة العربية تمثل أكبر منطقة في العالم من حيث حسم هذا الصراع بين أمريكا والصين. ولهذا يعتبر الوجود ألأمريكي فيها وتعزيز العلاقات مع الدول العربية الحليفة عنصرا حاسما في الحسابات الاستراتيجية الأمريكية.

وهذه في حد ذاتها من أكبر أوراق القوة بيد الدول العربية في علاقاتها مع امريكا اذا عرفت كيف تستغلها وتستخدمها لخدمة المصالح العربية.

الملفت ان ايران على وعي مبكر بهذه الحقيقة وهذه الورقة الاستراتيجية. ايران وقعت اتفاقا استراتيجيا ضخما مع الصين يدور حوله جدل واسع في الداخل الإيراني وفي الخارج. هذا الاتفاق يستخدمونه اليوم كورقة ابتزاز لأمريكا لدفعها الى تغيير سياستها تجاه ايران. اليوم، هناك حملة في أمريكا يقودها أعضاء اللوبي الايراني توجه انتقادات حادة لإدارة ترامب وتحملها مسئولية ارتماء ايران في أحضان الصين، واعطائها للصينيين موطيء قدم استراتيجي في منطقة الخليج، ويطالبون بناء على ذلك بتغيير السياسات الامريكية تجاه ايران.

نريد أن نقول ان الأهمية الاستراتيجية للمنطقة بالنسبة لأمريكا سوف تزداد، و من ثم ستصبح العلاقات مع الدول العربية الحليفة أكثر أهمية.

بعبارة أخرى، الدول العربية لديها الكثير من أوراق القوة والضغط التي تستطيع ان تستخدمها للتأثير على السياسات والتوجهات الأمريكية بما يخدم المصالح العربية.

المشكلة ليست في أوراق القوة الموجودة بالفعل. المشكلة في الإرادة السياسية العربية لاستخدامها.