الإسلام والعبودية: الدكتور محمد ولد الراظي عضو قيادة حزب الإصلاح

لا خلاف في أن الإسلام اعترف بوجود العبودية ولكنه اعتراف بظاهرة سبقته وعادة قديمة متأصلة في المجتمع القرشي تماما كما ذكر الخمر وغيره من المناكر وحاربها …..ومحاربة عادات متأصلة تتطلب الكثير من الفطنة والحذر والكياسة مراعاة لتقاليد مجتمع يسعى الإسلام إلى أن يتغير بروية وهدوء وأن يكون قاطرة لنشر روح المساواة والعدل بين الناس أجمعين….فالعبودية ظاهرة تستجد وليست صفة لقوم عن آخرين ولا قدر محتوم علي فصيل دون غيره.

فالإنسان ابتداء مكرم في الإسلام بصريح كلام الله ” ولقد كرمنا بني آدم” مما يتعارض تعارضا مطلقا مع القبول بأي شكل من أشكال الإستعباد…وأكرم الناس عند الله الأتقي….فلم يذكر القرآن بالإسم من أهل مكة إلا شخصين أولهما بخير وهو زيد بن حارثة عبد من سبايا الحروب وثانيهما بالوعيد يوم القيامة أبو لهب عم رسول الله صلي الله عليه وسلم وأضاف له زوجه أم جميل أروي بنت حرب بن أمية بن عبد شمس سيد من كبار سادة العرب…..هذه هي روح الإسلام “إن أكرمكم عند الله أتقاكم”
وحين استنشق عبيد الأمس عبق الحرية في روح الدين الجديد نفروا إليه وذاقوا الأمرين في رحلتهم الإنعتاقية فاستشهد منهم من استشهد ونجا منهم من نجا…..رفضوا كل الإغراءات وصبروا كل العذابات وانتصر بهم الإسلام ونصروه…..والشواهد والأدلة القاطعة علي روح المساواة في الإسلام كثيرة من خلال الكتاب والسنة وعبر تاريخه الطويل حيث اعتمد خطين متوازيين لمحاربة العبودية:
أولا : تجفيف منابع العبودية من خلال سن قوانين ملزمة تضيق الطريق المؤدي للإسترقاق فتجعل من العبد إبنا إضافيا له ما للأولاد وعليه ما عليهم
فيصبح زيادة نفقة على “مالكه” بعد أن كان وسيلة إنتاج….

ثانيا : فتح أبواب الحرية أمام من كانوا عبيدا قبل الإسلام فأقر تحرير الرقاب من خلال التكفير عن الذنب أو التقصير في اليمين والصوم ثم فرض التآخي في الإسلام حتي أن الرسول صلى الله عليه وسلم تبنى زيد بن حارثة فأصبح الناس ينادون عليه بزيد بن محمد إلي أن نزلت آية بإلحاق الناس بآبائهم……”لقد كانت لكم في رسول الله أسوة حسنة”

أنفق أبو بكر الصديق من ماله لتحرير بلال ففتح أمامه طريق العز والسؤدد…..

لم يقل الإسلام صراحة بتحريم العبودية ولم يقل صراحة بتحريم الخمر ولا يختلف اثنان علي أن الخمر حرام ويجمع الناس علي أن تحريمه جاء سلسا ومتدرجا ودون تصريح وما كان اجتنابه ليكون إلا كذلك تصديقا لقول ابن عباس “والله لو نزلت علينا اتركوا الخمر ما تركناها أبدا “

أما العبودية فقد حاربها الإسلام بنص القرآن أولا حين كرم الله ابن آدم وحاصرها الشرع ثانيا بالقيود حتي أصبح السادة يود أحدهم لو ما ملك عبدا يوما…. تدر العبودية منافع كثيرة للسادة مما يجعل تنظيف المجتمع الجديد منها بحاجة لقدر كبير من الكياسة والتدرج ومجهود تربوي ونفسي أكبر بكثير مما يتطلبه النهي عن تناول كاسات خمر لا تدر لصاحبها إلا سكرا….. لم تسجل حالة واحدة من بيع أو شراء لبشر في عهده صلى الله عليه وسلم ولا في عهد الخلفاء الراشدين ولم يبق أي أثر نفسي مع المسلمين الجدد من الأرقاء السابقين ولم تلاحقهم أي دونية لأنهم دخلوا في دين لا فضل فيه لأحد علي أحد إلا بالتقوي….تحول بلال بن رباح في فترة وجيزة من عبد حبشي مهان في بدنه وروحه وكرامته إلى سيد من سادة الدين الجديد وعلم من أعلام الأمة وواحد من صفوة صحابة رسول الله صلي الله عليه وسلم ونال غيره من أمثاله الشأو الكبير في كل صنوف المعرفة وكل دروب الفضيلة كما كان حال أسامة بن زيد بن حارثة في قيادة جيوش المسلمين في كثير من الجبهات وغيره كثير.

درسوا كالآخرين القرآن الكريم والحديث الشريف واللغة والبيان وخاضوا الحروب من مواقع الريادة كباقي إخوانهم من المسلمين.
لم يصادفوا ما يعيقهم ولم يجدوا مانعا من ولوج قمم التميز والنبوغ …….فهذا الإمام نافع أحد أهم مراجع المقرأ القراني وهذا الحسن البصري وذاك قطب الدين أيبك الذي أقام امبراطورية الإسلام في الهند ليترك للأمة أكبر تجمع إسلامي في العالم.
أما المماليك أولئك العبيد الشركس فهم من أوقف المغول في عين جالوت وهم الرجال الفرسان الذين بنوا قلعة من أقوى قلاع الإسلام.
وفي عالم الأدب والثقافة نبغ أبو عثمان الجاحظ فظلت مؤلفاته وما زالت في الأدب والبيان والتاريخ مرتع الباحثين والدارسين للثقافة العربية الإسلامية واللائحة تطول……..هذا هو الإسلام الصحيح وهذه هي بيئته الحاضنة وأولئك هم مخرجاتها من المسلمين الذين يعبرون بصدق عن حقيقة الدين الحنيف وأن لا عبودية في الإسلام كما قال الفاروق رضي الله عنه وأرضاه حين استشاط غاضبا ومنكرا فعلا ما زالت به جاهلية : “متى إستعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا”.